إعداد: إيمان صبحي السمين
يواجه الأشخاص من فئة الصم والبكم تحديات كبيرة في حياتهم اليومية، خصوصًا في التواصل مع الآخرين بسبب الحواجز اللغوية. تمثل هذه الصعوبات عائقًا أمامهم في التفاعل الاجتماعي، وفي قدرتهم على الحصول على التعليم أو العمل. على الرغم من أن لغة الإشارة تمثل وسيلة التواصل الأساسية لهم، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين مستخدمي لغة الإشارة والأشخاص العاديين الذين لا يفهمون هذه اللغة. جاءت الأبحاث الحديثة لتسهم بشكل كبير في محاولة تجاوز هذه الفجوة، عبر تقديم حلول تكنولوجية تهدف إلى تسهيل عملية التواصل بين الصم والبكم وبقية المجتمع.
برزت جهود الدكتورة فاطمة محمد طلعت، باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي بكلية الذكاء الاصطناعي بجامعة كفر الشيخ، التي قدمت إسهامات متميزة في مجال تطوير تقنيات الترجمة الفورية للغة الإشارة العربية (ArSL) باستخدام الذكاء الاصطناعي. من خلال بحثها الرائد، قدمت إسهامات فعّالة في تسهيل التواصل بين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وبقية أفراد المجتمع بشكل أكثر سلاسة وفاعلية.
في هذا السياق، ظهرت أبحاث مبتكرة تسعى إلى توفير أدوات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمكين الصم والبكم من التواصل بشكل أكثر فعالية. أحد أبرز هذه الحلول هو نظام الترجمة الفورية للغة الإشارة العربية (ArSL) باستخدام الذكاء الاصطناعي. يعتمد هذا النظام على تقنيات التعلم العميق لتوفير تجربة تواصل سلسة، حيث يمكن للأشخاص من فئة الصم والبكم التواصل مع المجتمع العربي بسهولة ويسر.
تُعد الدراسة التي قادتها الدكتورة فاطمة محمد طلعت وفريقها من الباحثين في هذا المجال خطوة كبيرة نحو تحقيق التواصل الفعّال بين هذه الفئة والمجتمع. حيث اعتمد النظام المطور على تقنيات التعرف على الإيماءات باستخدام الشبكات العصبية العميقة، وتحديدًا إطار العمل YOLOv8، وهو من أحدث التقنيات في مجال الذكاء الاصطناعي. يعتمد النظام على معالجة البيانات المأخوذة من الصور والفيديوهات، ومن ثم ترجمة هذه الإيماءات إلى لغة إشارة عربية.
تم تدريب النظام باستخدام ثلاث مجموعات بيانات مختلفة تتعلق بلغة الإشارة العربية، وهي: قاعدة بيانات الإشارة العربية (ArSL)، وقاعدة بيانات الحروف الأبجدية العربية بلغة الإشارة (AASL)، وقاعدة بيانات اكتشاف الإشارة (SLDI). بفضل هذه البيانات المتنوعة، استطاع النظام تحقيق دقة عالية في التعرف على الإيماءات وتحويلها إلى نصوص أو رسائل قابلة للفهم، مع تحقيق نسبة دقة تصل إلى 99.4% في بعض الاختبارات.
أكدت نتائج الدراسة أن هذه التقنية يمكن أن تكون مفيدة بشكل كبير في تعزيز التواصل بين الصم والبكم والأشخاص العاديين في المجتمعات الناطقة بالعربية. وقد لاقت استحسانًا كبيرًا لما لها من تأثير إيجابي في تحسين نوعية الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، من خلال مساعدتهم في التفاعل الاجتماعي والعمل بشكل مستقل.
يعد هذا النظام أيضًا مثالًا حيًا على كيفية استفادة المجتمع من التطورات التكنولوجية الحديثة في تحسين جودة الحياة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة. ومع استمرار التطور في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، من المتوقع أن يتم تحسين وتوسيع هذا النظام ليشمل لغات إشارة أخرى في المستقبل، مما يساهم في خلق بيئة أكثر شمولية وتفاهم بين جميع أفراد المجتمع.