تقرير: هاجر مصطفى إسماعيل.
في وقتٍ تتزايد فيه التحديات المرتبطة بالزراعة التقليدية، ظهرت مبادرة “ازرعلي” كأحد المشروعات الطلابيةع الريادية التي تقدم نموذجًا مبتكرًا للزراعة الذكية، قائمًا على الدمج بين تكنولوجيا الزراعة بدون تربة وفكر ريادة الأعمال لتحقيق إنتاج غذائي آمن ومستدام في مصر.
وتقود المبادرة طالبة شابة من جامعة الإسكندرية، لم تسمح لظروفها أن توقف حلمها، بل صنعت من التحديات نقطة انطلاق لصنع مشروع فعّال ومؤثر.
أطلق فريق طلابي من جامعة الإسكندرية مبادرة “ازرعلي”، بهدف تطوير نظام زراعي مستدام يعتمد على تقنية الزراعة الهوائية (Aeroponics)، حيث يتم تصنيع أبراج زراعية بدون تربة تتيح استغلال المساحات الرأسية وتوفير الموارد وتقليل الفاقد. وتعود بذور الفكرة إلى ما قبل دخول الجامعة، حيث كانت ندى صابر –قائد الفريق– تطمح لدراسة إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية، لكن ظروف المنحة حالت دون ذلك. فقررت دراسة المجال الزراعي الحديث لتدخل الجامعة وهي تمتلك معرفة مسبقة تؤهلها لمجال يجمع بين شغفها بالزراعة وإدارة الأعمال.
منذ الأسبوع الأول لها بالجامعة، التحقت كمُتطوعة في أحد مشاريع التخرج، وبدأت رحلتها في تعلُّم الزراعة الحديثة خاصة تلك التي بدون تربة، وتوسعت تدريجيًا لتشمل دراسة أمراض النبات والعناية به، وهو ما شكّل لها مدخلًا تطبيقيًا لدمج الفكر الزراعي بالتفكير الريادي، لتكتشف لاحقًا أن هذا المجال يتقاطع بشدة مع شغفها بإدارة الأعمال.


يعتمد نظام “ازرعلي” على زراعة النباتات في أوساط صناعية مثل الإسفنج، مع إمدادها بالعناصر الغذائية من خلال محاليل مركبة بدقة، ما يُحقق نموًا أسرع ويقلل من معدل الخطأ أو موت النبات. ويتميز النموذج بعدة مزايا منها:
– توفير المياه بنسبة تصل إلى 95%.
– زيادة الإنتاج حتى 15 ضعفًا مقارنة بالطرق التقليدية.
– تسريع دورة النمو، كزراعة الخس خلال 70 يومًا فقط بدلًا من 130.
– زراعة 39 نبتة في مساحة كانت لا تستوعب سوى نبتة واحدة، ويجري حاليا تطوير النظام ليستوعب حتى 60 نبتة.
واجه الفريق صعوبات تقنية وتنظيمية في البداية، تمثلت في تكرار التجارب الفاشلة وصعوبة بناء فريق ثابت. لكن الإصرار على التعلم والتحليل المستمر للخلل الفني ساعدهم على تحسين السيستم الزراعي وتطويره تدريجيًا، خاصة في الجانب التقني. وقد نجحوا في ضبط نسب التغذية، واختيار بيئة زراعية مناسبة، مما أدى إلى خفض الفاقد وتحقيق نتائج إنتاجية ملموسة.
ويهدف المشروع إلى إعادة تشكيل الصورة الذهنية للزراعة، والترويج لها كمجال استثماري منزلي واعد، من خلال نظام ذكي لا يحتاج إلى مجهود بدني كبير أو خبرة زراعية متخصصة. وتشمل المحاصيل التي يمكن زراعتها ضمن نظام “ازرعلي” معظم الورقيات، بالإضافة إلى بعض الخضروات مثل الفلفل والطماطم، وكذلك النباتات العطرية، وكلها تُزرع في بيئة نظيفة خالية من التربة، وتكون أقل عرضة للآفات الجوية.
شارك الفريق في برنامج GEN-Z التابع لوزارة التعليم العالي وصندوق رعاية المبتكرين، وتمكّن من عرض فكرته ضمن المسابقة الوطنية الجامعية، التي تمول المشروعات الواعدة بقيمة تصل إلى 100 مليون جنيه.
كما شارك الفريق في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث عرض مشروعه لجمهور واسع من الزوار، ونجح في جذب الاهتمام إلى نموذج الزراعة الذكية عبر محتوى تعريفي مبسّط وجلسات حوارية مباشرة مع الزوار. وسبق لهم كذلك المشاركة في معرض “أكل البيزنس”، وبدأوا التفاعل مع الجمهور من خلال أنشطة توعوية مباشرة (أوفلاين)، في حين يتم حاليًا التركيز على تطوير المحتوى الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقدمت ندى مجموعة من النصائح للشباب الراغبين في دخول مجال الزراعة الحديثة، من أهمها:
ضرورة امتلاك خلفية في إدارة الأعمال، حتى في المشروعات ذات الطابع الإنتاجي أو الفني.
أهمية تعلُّم مهارات الإقناع والتسويق والتفاوض، لأنها مفاتيح حيوية لإنجاح أي مشروع.
دمج التخصصات، وعدم الاكتفاء بالمعرفة الأكاديمية، بل اكتساب خبرة تطبيقية في أكثر من مسار.
تؤكد ندى أن “ازرعلي” لا يهدف فقط للإنتاج الزراعي، بل يسعى إلى تغيير نظرة المجتمع تجاه الزراعة، خاصة بين الشباب، وتحفيزهم للانخراط في مشروعات إنتاج غذائي ذكية وصديقة للبيئة.
وأضافت أن حلمهم الكبير هو أن يصبحوا من أكبر موردي المنتجات الزراعية عالية الجودة في مصر، مع الوصول للأسواق العالمية قريبًا.
يمثل “ازرعلي” نموذجًا واعدًا لمبادرة شبابية تربط بين الابتكار والاستدامة، وتقدّم حلاً عمليًا لمستقبل الزراعة في مصر، في وقت باتت فيه الحاجة ملحّة لتوظيف الفكر الريادي والتقنيات الذكية لمواجهة التحديات البيئية والغذائية.
ولا يبدو أن هذا المشروع سيتوقف عند حدود الجامعة، بل يمضي بخطى ثابتة نحو التحول إلى نموذج تجاري محلي وإقليمي، قادر على إحداث فارق حقيقي في الأمن الغذائي المصري وتقنيات الزراعة المستحدثة.

