حوار / امل الحواط
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الزراعي في مصر، خاصة مع انتشار أمراض النبات التي تهدد أهم المحاصيل الاستراتيجية، برز مشروع علمي طموح يحمل رؤية مبتكرة لعلاج واحد من أخطر أمراض البطاطس في مصر؛ مرض العفن البني الذي تتسبب فيه بكتيريا Ralstonia solanacearum. هذا المرض لا يقتصر خطره على تقليل الإنتاجية فحسب، بل يؤدي إلى كارثة اقتصادية عبر رفض شحنات البطاطس المصدّرة، مما يهدد أحد أهم مصادر الدخل الزراعي المصري.
وسط هذه الأجواء، استطاعت الطالبة منة الله أيمن محمود، الطالبة بكلية الزراعة — جامعة كفر الشيخ، شعبة أمراض نبات، أن تقدم مشروعًا علميًا متميزًا بعنوان “مقاومة بكتيريا العفن البني في البطاطس باستخدام مستخلصات نباتية وآليات النانو”، وهو المشروع الذي اختارت أن تناقش تفاصيله معنا، لتحكي عن رحلتها مع اكتشاف العلاج الطبيعي الذي جاء من قلب النباتات الشائعة في بيئتنا، وكيف تفوقت نتائجه على المضادات الحيوية التقليدية.
وكان لنا معها هذا الحوار:
في البداية، لماذا وقع اختياركم على بكتيريا البطاطس تحديدًا دون غيرها؟
لأنها واحدة من أخطر الكائنات الدقيقة التي تهدد المحصول الأهم في مصر. تلك البكتيريا المعروفة علميًا باسم Ralstonia solanacearum تتسبب في مرض العفن البني الذي يفتك بالنبات فجأة دون إنذار. والأخطر من ذلك أنها تختبئ داخل درنات البطاطس حتى لو بدت سليمة ظاهريًا، مما يؤدي إلى رفض الشحنات المصرية في الموانئ الخارجية، وهذا يمثل كارثة اقتصادية لبلد يعتمد على تصدير البطاطس بشكل أساسي.
كيف قمتم بعزل تلك البكتيريا والتعرف عليها؟
قمنا بجمع عينات من مزارع مصابة، ثم غسلناها بعناية وقطعنا الأنسجة المصابة، واحتفظنا بها في محاليل معقمة. استخدمنا وسطًا غذائيًا خاصًا يعرف باسم TZC، حيث ظهرت البكتيريا فيه بشكل مميز؛ وردية اللون من الداخل مع حافة باهتة. بعد ذلك أجرينا اختبار “جرام” الذي أثبت أن البكتيريا سالبة الجرام، ما يعني مقاومتها للعديد من المضادات الحيوية التقليدية.
ما الاشياء التي أثارت دهشتكم أثناء التجارب؟
أن المضادات الحيوية المعتادة لم تفلح معها على الإطلاق. جربنا مضادات مثل الأمبيسيلين والجنتاميسين والكاناميسين، لكنها لم تؤثر في نشاطها، مما وضعنا أمام تحدٍ حقيقي وفرض علينا البحث عن حلول بديلة خارج الطرق التقليدية.
كيف جاء قرار الاتجاه إلى المستخلصات النباتية؟
بدأنا نفكر: لماذا لا نلجأ للنباتات المتوفرة في بيئتنا؟ استخدمنا مستخلصات من الكركديه، التمر الهندي، الرمان، والحنّاء. جهّزناها بطريقتين؛ إما بالغلي أو بالنقع لمدة 48 ساعة. ثم وضعنا هذه المستخلصات على أوساط مزروعة بالبكتيريا.
وما هي النتائج التي توصلتم اليها؟
المفاجأة أن مستخلص الكركديه كان له تأثير مذهل، إذ أحدث أكبر منطقة تثبيط للبكتيريا بلغت 44 ملم، وهو رقم كبير في هذا النوع من الدراسات. كما أظهرت مستخلصات التمر الهندي والرمان نتائج مبشرة أيضًا. كأن الطبيعة نفسها كانت ترشدنا إلى علاجها.
كيف كان شعورك بعد هذه التجربة؟
إحساس رائع. أن تكتشف أن بين يديك مادة طبيعية، متوفرة في كل بيت تقريبًا، تستطيع أن توقف بكتيريا قاتلة تقاوم المضادات الحيوية؛ أمر يمنحك حافزًا كبيرًا للاستمرار.
سمعنا أنكم جربتم جزيئات النانو أيضًا، ما تفاصيل تلك التجربة؟
نعم. لجأنا إلى استخدام جزيئات النحاس النانوي (Nano Cu)، وهي جزيئات متناهية الصغر لها قدرة فائقة على اختراق الخلايا البكتيرية. وحققت تلك التجربة نتائج مذهلة، حيث تفوقت في فاعليتها على بعض المضادات الحيوية باهظة الثمن.
هل كان هناك موقف لا يُنسى خلال العمل؟
نعم، في أحد الأيام أثناء تجربة مستخلص الكركديه، حدث خطأ في التركيز، فتحوّل لون الوسط الزراعي إلى البنفسجي. ظننا وقتها أن التجربة فشلت، لكن المفاجأة أن البكتيريا قُضي عليها تمامًا. منذ ذلك الحين، نطلق عليه في المعمل لقب “سفاح البكتيريا”.
قد يتساءل القارئ: ولماذا يهمني أمر هذه البكتيريا؟
لأن البطاطس ليست مجرد محصول، بل غذاء يومي وأساسي في كل بيت مصري. وأي مرض يصيب هذا المحصول يمكن أن يهدد الاقتصاد، ويرفع الأسعار، ويؤثر على التصدير. لذا، حماية هذا المحصول مسؤولية وطنية.
بعد هذه التجربة، هل تخططين للاستمرار في مجال مقاومة أمراض النبات؟
بكل تأكيد. هذا المجال له تأثير مباشر في حياتنا اليومية وفي اقتصادنا القومي. كما أن الطبيعة لا تزال تحمل بين طياتها الكثير من الأسرار التي علينا اكتشافها، والأمراض التي تحتاج حلولًا آمنة وفعّالة.
لو أردتِ أن تلخصي هذه الرحلة بكلمة واحدة، ماذا ستكون؟
تحدٍ، وإصرار، وانتصار.
وما رسالتك الأخيرة للناس؟
ادعموا البحث العلمي، وساندوا شباب الباحثين. نحن لا نحمي محاصيل، بل نحمي لقمة عيشكم.