تقرير: أمل محمد الحواط
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه البنية التحتية للمدن، ووسط معاناة يومية من الازدحام المروري الناتج عن أعمال الصيانة المتكررة، نجح فريق من طلاب كلية الهندسة بجامعة بنها في ابتكار روبوت ذكي قادر على الكشف عن الشروخ داخل المواسير المدفونة تحت الأرض باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك كحل ذكي لتقليل أعمال الحفر العشوائية وتكاليف الصيانة الباهظة.
تخيل طريقًا حيويًا في مدينة مزدحمة أو منطقة صناعية نشطة تتوقف فيها الحركة لساعات أو حتى أيام بسبب كسر غير مرئي في ماسورة صرف صحي. ولتحديد مكان الكسر، تُكسر مساحة واسعة من الطريق، ما يستهلك وقتًا وجهدًا ومالًا. من هذا الواقع المؤلم، انطلقت فكرة مشروع التخرج للطلاب: حازم محمد حمدي، حمدي أيمن حمدي، سارة سرور أحمد، السيد حسني السيد، باسم أسامة صبحي، تحت إشراف الدكتور عمرو العوامري والمهندسة أماني سامي.
ويُعد المشروع نقلة نوعية في مجال الفحص غير التدميري لأنظمة المواسير، حيث يعتمد الروبوت على كاميرا عالية الدقة مثبتة بداخله تقوم بتصوير المواسير من الداخل أثناء حركته، وترسل بثًا مباشرًا للفريق الفني على سطح الأرض. ويتم تحليل الصور باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي يحدد بدقة ما إذا كانت هناك كسور حقيقية أو خدوش سطحية أو لا توجد أضرار على الإطلاق.
ويمثل هذا الابتكار خطوة عملية في تطوير تقنيات الفحص التلقائي، إذ يوفّر على المؤسسات الوقت والتكلفة المرتبطة بعمليات الصيانة التقليدية، ويقلل من المخاطر البشرية الناتجة عن الفحص اليدوي في البيئات المغلقة أو الخطرة. كما يبرز قدرة الطلاب المصريين على تقديم حلول واقعية بتكلفة منخفضة، باستخدام مكونات متاحة وتوظيف المعرفة الأكاديمية في ابتكارات حقيقية قابلة للتطوير التجاري مستقبلًا
يساهم هذا النظام في تحديد موقع الخلل بدقة متناهية، ما يسمح بحفر جزء صغير فقط من الطريق بدلًا من تكسير مساحات واسعة، مما يؤدي إلى تقليل التكلفة واختصار وقت الإصلاح بشكل كبير.
ورغم التقدم الملحوظ، واجه الفريق تحديات تقنية عدة خلال التنفيذ، أبرزها ضعف الاتصال اللاسلكي داخل المواسير المعدنية أو المدفونة. ولتجاوز هذه العقبة، تم استخدام كابل Ethernet لضمان اتصال ثابت. كما تم استخدام مواد مقاومة للتآكل والرطوبة لتصنيع الهيكل الخارجي للروبوت، مع تصميم مدمج يناسب الأبعاد الضيقة للمواسير دون التأثير على أداء المكونات. أما من ناحية التغذية الكهربائية، فقد تم تزويد الروبوت ببطاريتين (12 فولت و5 فولت) مع نظام تحويل داخلي مناسب.

ولأن المشروع أثبت جدارته على المستويين التقني والاقتصادي، حصل على تمويل من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، كما نال المركز الثالث في هاكاثون كرياتيفا بنها للصناعة لدعم الشركات الناشئة. ويعكس هذا الاهتمام المؤسسي مدى قابلية الفكرة للتحول إلى شركة ناشئة حقيقية قادرة على تقديم خدماتها للقطاعين الحكومي والخاص، وجني مكاسب اقتصادية مجزية مع الوقت.
ويُعد هذا المشروع جزءًا من توجه أوسع يشهده العالم حاليًا نحو التحول الرقمي في مجالات البنية التحتية الذكية، إذ تُسهم مثل هذه الابتكارات في تحسين كفاءة شبكات المرافق وتقليل فاقد الموارد، إلى جانب دعم خطط التنمية المستدامة بتقليل الانبعاثات الناتجة عن أعمال الحفر التقليدية. كما يعكس المشروع توجه الجامعات المصرية لإشراك طلابها في تطوير حلول تطبيقية تخدم احتياجات المجتمع الفعلية، وتفتح أمامهم آفاقًا لريادة الأعمال في مجالات التقنية الصناعية.
ويؤكد الفريق أن هذا الابتكار لا يمثل مجرد مشروع جامعي يُنفّذ للحصول على شهادة، بل هو بداية لمسار تطبيقي حقيقي يمكن أن يحدث فارقًا في مشروعات البنية التحتية، ويُثبت أن العقول الشابة قادرة على تحويل التحديات اليومية إلى فرص للابتكار وخدمة المجتمع… حتى لو كانت داخل ماسورة!