حوار: هاجر مصطفى إسماعيل.
في عالم يتسابق لإيجاد حلول زراعية مستدامة، تبرز الدكتورة فاتن الدهشان كأحد النماذج العربية اللافتة في البحث العلمي، حيث جمعت بين الشغف الأكاديمي والدافع الإنساني لحماية البيئة والصحة العامة. من جامعة المنصورة إلى جامعة طوكيو للزراعة والتكنولوجيا، قطعت رحلة علمية حافلة بالتحديات، اختارت خلالها أن تخوض غمار تخصص دقيق في “هندسة التطبيقات الحيوية”، لتسهم من خلاله في ابتكار حلول جديدة لمكافحة الآفات بعيدًا عن المبيدات الكيميائية. في هذا الحوار، تكشف لنا الباحثة المصرية تفاصيل تجربتها في اليابان، وتقنيات بحثها الحائز على درجة التميز، وتضع تصوّرًا لمستقبل الزراعة والبحث العلمي في الوطن العربي.
بداية كيف تفضلين التعريف عن نفسك؟
أنا فاتن الدهشان، باحثة مصرية متخصصة في علوم الموليكيولار بايولوجي ومكافحة الآفات، تخرجت من جامعة المنصورة بتفوق، حيث كنت الأولى على دفعتي.
منذ الصغر، كنت مهتمة بالبحث العلمي وأثره على تحسين الواقع الزراعي، مما دفعني للسفر إلى اليابان لاستكمال دراستي والحصول على درجة الدكتوراه من جامعة طوكيو للزراعة و التكنولوجيا و هي جامعة بها أربع تخصصات رئيسية و يندرج تحتهم الكثير من الأفرع و الأقسام المختلفة و هم الطب البيطرى و الزراعة و الهندسات بجميع تخصصاتها ثم التخصص الأخير الذي التحقت به و هو هندسة التطبيقات الحيوية و هو تخصص الدراسة فيه تجمع بين الهندسة الحيوية و كيفية تطبيقها في المجال الزراعي
كيف كانت رحلتك من الدراسة في جامعة المنصورة وحتى الحصول على الدكتوراة من جامعة طوكيو اليابانية؟
رحلتي كانت مليئة بالتحديات والطموح. في جامعة المنصورة، أدركت أنني أريد إحداث تغيير حقيقي في مجال الزراعة، وهو ما دفعني للتقديم على منح للدراسة في اليابان. الانتقال إلى بيئة بحثية متقدمة مثل جامعة طوكيو للزراعة و التكنولوجيا كان تحديًا ثقافيًا وأكاديميًا، لكنني تمكنت من التأقلم سريعًا بفضل الشغف والانفتاح على التعلم.
ما الذي دفعكِ لاختيار ملف مكافحة الآفات الزراعية كملف بحثي دونًا عن بقية الملفات؟
أرى أن مكافحة الآفات الزراعية تمثل تحديًا كبيرًا للزراعة الحديثة، خاصة مع مخاطر استخدام المبيدات الكيميائية وتأثيرها السلبي على البيئة والصحة العامة للإنسان و الكائنات الحي بصفة عامة. رأيت فرصة لتطوير تقنيات مبتكرة تسهم في تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية وتعزز الاستدامة البيئية.
هل يمكنكِ شرح ماهية بحثك الذي حاز على أفضل رسالة في اليابان؟
بحثي ركز على استخدام تقنية RNAi لتطوير آليات فعالة لمكافحة الآفات الزراعية و ذلك لتقليل اللجوء إلى استخدام المبيدات الكيميائية. لم يَكُن الأمر فيه ابتكار فقد قُمتُ باستهداف الجينات الحيوية للآفة ، مما يؤدي إلى تعطيل قدرتها على التكاثر والانتشار، وبالتالي تقليل الأضرار التي تلحق بالمحاصيل.
ما أبرز العوائق التي واجهتكِ أثناء دراستك البحثية تلك، وكيف تغلبتِ عليها؟
أبرز التحديات كانت التأقلم مع النظام البحثي الياباني، الذي يتميز بالدقة والانضباط العالي. كما أن تعلم اللغة اليابانية يشكّل عائقًا في البداية، لكنني مازلت أحاول تجاوزه حتي بعد تخرجي، بالطبع هو حاجز يزول عبر الممارسة البسيطة والانخراط في البيئة اليابانية. بالإضافة إلى ذلك تأمين التمويل اللازم للعيش كان تحديًا، لكن من خلال تقدمي و حصولي علي درجات عالية منحتني الجامعة منحتان، و من هنا حصلت على الدعم من الجامعة.
ما هي تقنية (RNAI), وكيف يمكن استخدامها لمكافحة الآفات الزراعية؟
تقنية RNAi تعتمد على إسكات جينات معينة في الكائن الحي، مما يؤدي إلى تعطيل وظائفه الحيوية. في مكافحة الآفات، يمكن استخدامها لاستهداف جينات أساسية في الحشرات، مما يمنعها من التكاثر أو التغذية على المحاصيل، وبالتالي يحد من انتشارها بطريقة طبيعية وآمنة بيئيًا.
كيف يمكن لتقنيات مكافحة الآفات الزراعية دون استخدام المبيدات الكيميائية أن تسهم في تحسين الصحة العامة والبيئة؟
الاعتماد على تقنيات مثل RNAi يقلل من تلوث المياه والتربة بالمبيدات الكيميائية، مما يحسن جودة المحاصيل ويقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بالاستهلاك الغذائي. كما أن الحفاظ على التوازن البيئي يقلل من أضرار تغير المناخ ويعزز التنوع البيولوجي.
كيف يمكنك تقديم تصور مختلف لحث طلاب كليات الزراعة على النظر لأهمية تخصصاتهم؟
يجب إبراز دور الزراعة في تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية. الطلاب بحاجة إلى رؤية واضحة لكيفية تطبيق المعرفة الزراعية في تحسين الاقتصاد والمجتمع. تعزيز البحث العلمي وريادة الأعمال الزراعية يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تغيير النظرة التقليدية لهذا المجال.
هل لديك مشاريع بحثية مستقبلية أخرى تودين التحدث عنها؟
أعمل حاليًا على تطوير طرق جديدة لمكافحة الأمراض النباتية باستخدام التقنيات الحديثة للموليكيولار بايولوجي وذلك بهدف تحسين مقاومة النباتات للضغوط البيئية، وتقليل الحاجة لاستخدام الأسمدة الصناعية.
كيف تصفين تجربتكِ كطالبة دكتوراه مصرية في اليابان من حيث التكيف الثقافي والأكاديمي؟
تجربتي كانت مليئة بالاكتشافات، حيث تعلمت الكثير عن الثقافة اليابانية والانضباط الأكاديمي. بالرغم من وجود اختلافات ثقافية، فإن روح التعاون والدعم التي وجدتها في المجتمع العلمي الياباني ساعدتني على التأقلم بسهولة.
لو كان بوسعك تقديم بعض النصائح للباحثين الشباب، ماذا تكون؟
أوصيهم بالإصرار على تحقيق أهدافهم وعدم الخوف من التحديات. البحث العلمي يحتاج إلى صبر وعزيمة، لذا من الضروري أن يكون لديهم رؤية واضحة لمجالهم والابتكار في الحلول البحثية.
كيف يمكن لمصر أن تعالج جوانب القصور وتستثمر في جهود أبنائها في مجال الزراعة؟
يجب التركيز على دعم الأبحاث العلمية وتوفير التمويل الكافي للمشاريع الزراعية. كما أن التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصناعية يمكن أن يخلق بيئة محفزة للابتكار الزراعي.
كيف ترين مستقبل البحث العلمي الزراعي في الوطن العربي؟ وهل هناك فرص حقيقية للتقدم؟
هناك فرص كبيرة، خاصة مع التحديات البيئية التي تواجه الزراعة العالمية. الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية وتطوير شراكات بحثية يمكن أن يساعد الوطن العربي في تحقيق نهضة زراعية مستدامة.

