شارك في الكتابة: امل محمد الحواط – حسين محمد حمودة
في الوقت الذي لا تزال فيه معظم معامل التحاليل الطبية في مصر تعتمد على الأوراق والدفاتر اليدوية، ظهرت مبادرة جريئة من مجموعة من طلاب كلية الحاسبات وعلوم البيانات بجامعة الإسكندرية، قرروا أن يغيروا قواعد اللعبة ويكتبوا سطرًا جديدًا في مستقبل القطاع الصحي. سبعة طلاب شغوفين بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جمعهم مشروع تخرج مشترك حمل اسم “Scanalyze”، مشروع لم يأتِ فقط ليقدم نظامًا جديدًا بل ليعيد تعريف مفهوم إدارة المعامل الطبية في مصر.
المشروع نشأ بعد ما لمس الفريق مشكلة حقيقية يعاني منها المواطن المصري يوميًا، خاصة بعد أزمة كورونا التي كشفت حاجة المؤسسات الصحية في مصر للرقمنة والتحول الرقمي. فرغم أن التشخيص السريع والمبكر يمكن أن ينقذ حياة آلاف المرضى، إلا أن بطء نقل نتائج التحاليل، وعدم وجود سجل طبي موحّد، وغياب أدوات الذكاء الاصطناعي عن معظم المعامل، كانت كلها عوامل تهدد الخدمة الصحية بشكل مباشر.
Scanalyze جاء ليحل هذه الفجوة بذكاء. فهو نظام إلكتروني متكامل يربط ما بين الطبيب والمريض والمعمل في تجربة موحّدة رقمية. يستطيع الأطباء من خلاله رفع نتائج التحاليل وصور الأشعة مباشرة بعد إجرائها، ليتم تحليلها باستخدام خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة. هذه الخوارزميات قادرة على رصد مؤشرات لأمراض خطيرة مثل أمراض الكلى، والالتهاب الرئوي، وسرطان الرئة، وأورام الكبد، من خلال صور الأشعة المقطعية أو الأشعة السينية.
يقف وراء هذا المشروع الطموح كل من عبدالله جابر عاشور، خالد نبوي أحمد، عبدالله عبدالحليم عبدالعليم، محمد السيد أحمد، عاصم علي أحمد، محمد إبراهيم السيد، وزياد عبدو علي،علي عمرو علي، تحت إشراف الدكتورة دعاء غريب و المهندس حمدي سعيد ، الذين آمنو بهم منذ اللحظة الأولى بقدرتهم على صناعة فارق حقيقي يتجاوز حدود مجرد مشروع جامعي.
ميزة مهمة أخرى هي أن النظام لا يكتفي بعرض النتائج للمريض، بل يقدّم شرحًا مبسطًا لكل بند في التحليل من خلال شات بوت ذكي تم تدريبه على قواعد بيانات طبية معتمدة، ليمنح المريض فهمًا لما تعنيه النتائج بلغة مبسطة، ويوجّهه لاتخاذ الخطوات المناسبة، مع تنبيه واضح بأهمية الرجوع للطبيب المتخصص.
على الجانب الآخر، وفّر الفريق نظام صلاحيات مرن يتحكّم في كل عملية داخل المنصة. فالأدمن يستطيع إنشاء حسابات للموظفين، والموظف يرفع نتائج التحاليل، والمريض يحصل على ملف طبي متكامل يمكنه تحميله أو مشاركته في أي وقت، مع ضمان أعلى مستويات الأمان من خلال تقنيات تشفير البيانات والتحكم في صلاحيات الوصول.
من الناحية التقنية، استعان الطلاب بتقنيات حديثة مثل Next.js لتطوير واجهة الاستخدام، وNode.js وExpress.js في الخوادم الخلفية، مع استخدام MongoDB لإدارة قواعد البيانات. أما خوارزميات الذكاء الاصطناعي فتم تطويرها باستخدام مكتبات Python مثل TensorFlow وKeras، بعد تدريب النماذج على بيانات طبية حقيقية مأخوذة من منصات عالمية مثل Kaggle.
شملت هذه البيانات آلاف الصور لحالات أمراض الكلى، والالتهاب الرئوي، وسرطان الرئة، وأورام الكبد، تم تقسيمها لفئات واضحة وتصنيفها، ثم تدريب النماذج عليها حتى وصلت لمعدلات دقة تتجاوز 95% في التشخيص. وهي نسبة تضاهي أداء الأطباء المتخصصين في كثير من الحالات.
ولم يغفل الفريق عن الجانب التصميمي. فبجانب الواجهة الجذابة سهلة الاستخدام، تم تطوير تدفق استخدام (User Flow) يضمن أن كل فئة من المستخدمين (مريض، طبيب، موظف استقبال، أدمن) يسير في مسار بسيط وواضح للوصول لما يحتاجه بأقل عدد خطوات.
تحديات كثيرة واجهت الفريق خلال التنفيذ، منها ضعف خبرات البعض في تقنيات جديدة ، وضيق الوقت مع زحمة الامتحانات. لكن بدعم د. دعاء غريب، تم تقسيم المهام حسب خبرات كل طالب، مع الحرص على تدريب الجميع. ومع كل نسخة جديدة من النظام، كان يتم إجراء اختبارات للتأكد من ثبات الأداء وسرعة النظام، حتى باتت المنصة تعمل بكفاءة عالية.
المشروع لم يقتصر على التحاليل فقط، بل شمل تطوير خوارزميات لتشخيص أمراض معقدة بالذكاء الاصطناعي، مثل اكتشاف أورام الكبد المختلفة (حميد وخبيث)، التليف الكبدي، وسرطان الرئة بأنواعه المختلفة، من خلال تحليل صور الأشعة المقطعية.
ولم يغفل الفريق عن تجهيز خطة مستقبلية. حيث يخططون لطرح المنصة رسميًا بعد التخرج، مع إطلاق تطبيق للموبايل، وإضافة مزايا جديدة مثل تشخيص أمراض القلب وتحليل التحاليل المعملية العادية (دم، ووظائف كبد، وكلى) باستخدام OCR (التعرف الضوئي على الحروف). كما يطمحون للتعاون مع وزارة الصحة المصرية ضمن مشروع التحول الرقمي. في النهاية، تبقى قصة هؤلاء الشباب نموذجًا مشرفًا لجيل جديد لا يكتفي بالتذمر من مشاكل بلده، بل يصمم على ابتكار حلول حقيقية. قصة تثبت أن التكنولوجيا في يد الشباب يمكنها أن تصبح أداة لإنقاذ الأرواح