ابتكارات الشباب

المظلة المكيفة: ابتكار مصري يَتحدي حرارة الشارع ويُعاني تحديات التطبيق

المالكي: «الابتكار ليس بحاجة لتكريم، بل لتبني فعلي»

حوار— هاجر مصطفى إسماعيل.

تستضيف «زويليون» على مائدة الحوار واحد من العقول الشابة التي اختارت أن تحوّل المعاناة اليومية إلى فرصة للابتكار. من فكرة بسيطة نشأت من أحد مشاهد الشارع المتسارعة، توصّل المهندس محمود المالكي إلى اختراع “المظلة المكيّفة” التي تهدف لحماية الأفراد من ضربات الشمس وتخفيف آثار الحرارة، خاصة لفئات المجتمع الأكثر عرضة لها.

في هذا الحوار، يكشف المالكي عن رحلته مع الابتكار، والعقبات التي واجهته، والتجربة الصعبة للحصول على براءة الاختراع، كما يتحدث بصراحة عن التحديات التي تعرقل المبتكرين داخل مصر، ورؤيته لملف البحث العلمي ودعم الابتكار… ومع نص الحوار:

بداية أنا محمود المالكي، خريج هندسة قسم اتصالات وإلكترونيات، عملت كمهندس جودة بعيدًا عن تخصصي قليلًا، وحاليا عضو في «ماركتنج براند» في الخليج، وقبل كلية الهندسة أنا خريج مدرسة تكنولوجيا المعلومات بنظام الخمس سنوات. وأيضًا لدي شركة ناشئة تسمى «جولد جوليو» هي منصة تعليمية وشريك ومؤسس في منصة تعليمية أيضًا اسمها «الريادة»، وكلاهما لا زالتا ناشئتين.

كيف بدأت رحلتك كمبتكر؟ وما الشرارة التي أشعلت لديك فتيل المعرفة في هذا الجانب؟

بدأت الرحلة حينما وجدت نفسي أفكر دائمًا في حلول لأي مشكلة معينة تظهر أمامي والتي لو حُلت قد تُغير مجرى الأمور، فالأفكار تأتي من هذا الأساس. أما بالنسبة للشرارة فكانت الإصرار على وجود شيء غير موجود أو تطوير شيء موجود بالفعل ونتيجته تحدث تغييرًا إيجابيًا في حياة الناس.

ما أبرز التحديات التي واجهتك في سبيل أن يرى اختراعك النور؟

أبرز التحديات سواء بالنسبة لي أو حتى الباحثين الآخرين داخل مصر، هي الدعم؛ سواء الدعم المادي أو المعملي، المخترع أو المبتكر ليس بحاجة شهادة تكريم أو أن ينظر لجهوده من جهة عليا بعين الشكر ويكفيه ذلك، المخترع بحاجة من يتبنى أفكاره حتى يلمس أثرها في مجتمعه تطبيقًا وتغييرًا.

يعني مثالًا لو نظرنا للفنانين فهم يكرمون بماديات كبيرة للغاية، والفن نعم قد يكون هابطًا ولكنه ناجح، ناجح لم؟ لأنه مرئي ويحتفى به. على نقيض الابتكار، لذلك الابتكارات في مصر لا ترى النور إلا قليلًا.

كيف اهتديت لفكرة “المظلة المكيّفة”؟ وما الموقف الذي أوجدها تحديدًا؟

بالنسبة للمظلة المكيفة ففكرتها أتت من جو الحر الزائد مع كثرة عدد السكان، وليس كل الناس يمتلكون سيارات يتنقلون بها. كانت الفكرة نتيجة موقف بسيط: بنت تسير في الشارع تمسك بمظلة، هي والناس من حولها يعانون الحر. وقتها سألت نفسي: لم لا نطور شيئًا يقدمُ حلً حقيقيًا؟ ومن هنا بدأت أدرس فكرة التبريد المتنقل وعملت على تصميم مظلة فيها تبريد فعّال بآليات بسيطة.

ما الذي يجعل هذا الابتكار مختلفًا عما هو اعتياديٌ في السوق؟ وكيف يمكنه أن يحدث تغيرًا جوهريًا في حياة الناس؟

أي نشاط تجاري له فئة مستهدفة، بالنسبة للمشروع ده فهو نافع للحجاج والمعتمرين وكل من يعتاد الشارع بشكل دوري كعامل النظافة، رجال المرور، الطلاب في الشارع، عمال البناء. بالنسبة لموضوع التغير الجوهري؛ فهناك الكثير من الناس تصاب بضربات الشمس، وتصاب بأمراض بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهناك كبار السن، فالمظلة تُسهل عليهم الحياة خارجًا.

بالإضافة لذلك وقت انتشار جائحة كورونا تم إضافة بعض التحديثات للجسم الطائر وأصبح يتأكد من درجة حرارة الشخص ويضخ له هواءً نقيا مع نظام حماية من الفيروسات المنتشرة.

وضح لنا ماهية المظلة وكيف تعمل تفصيلًا..

الاختراع عبارة عن مظلة مكيفة تتبع الشخص أثناء السير أو خلال تواجده في أي مكان، حيث تحميه من شدة الحرارة خلال فترة الصيف. هي عبارة عن جسم طائر يحمل على مراوح الدرون -الأجزاء الدوارة التي تُستخدم لتوليد قوة الرفع والحركة في الطائرات المسيّرة بدون طيارمثالا- في الاختراع يتم تثبيت الجهة الباردة بحيث توجّه الهواء البارد ناحية الشخص، ومعها مروحة صغيرة تساعد على توزيع الهواء على الرأس والجسم. أما الجهة الساخنة، فيتم تبريدها بطرق أخرى كمراوح إضافية أو مشتت حراري، لكي لا تؤثر على باقي الجهاز. وبالطبع يتم التحكم فيها عن طريق تطبيق يربطها بالهاتف.

هل قمت بإجراء اختبارات ميدانية للمظلة؟وما هي ردود فعل المستخدمين الأوائل؟

طبعًا قمنا باختبارات ميدانية، حتى أنه تم استضافتي في القناة المصرية الأولى، وقاموا بالنزول للشارع وسؤال الناس عن رؤيتهم للمظلة وفكرتها. فالحمد لله كان هناك الكثير من ردود الأفعال الإيجابية وبعض الناس لم يكونوا متخيلين ومندهشين من تقنية كهذه.

كيف كانت تجربتك مع إجراءات الحصول على براءة الاختراع؟ وما أبرز العقبات التي واجهتها خلالها؟

صراحة تجربتي مع الحصول على براءة اختراع كانت معقدة نوعًا ما ولا زالت، الأمر لم ينقضي في يوم وليلة بل استغرق سنوات، ولكن الحمد لله كان هناك إصرار. بالنسبة للعقبات فهي كما ذكرت من قبل تتمثل في الدعم المادي، لابد أن يكون هناك احتضان للمشاريع والأفكار، خاصة وقتها كنت طالبًا وكان مطالب أن أُسافر كثيرًا وأنهي إجراءات كثيرة فكل هذه الأشياء كانت مُكلفة.

هل تلقيت عروضًا لتمويل أو تبني اختراعك من جهات محلية أو دولية؟وكيف تعاملت معها؟

طبعًا أتاني عروض وفي البداية دخل معي مستثمر ولكن لم يكن مستثمر قوي؛ فأضعنا وقتًا ومالًا خاصة أنه كان سيُنفذ في الخليج؛ لأن الأجسام الطائرة في مصر ممنوعة؛ وهذا في حد ذاته كان عقبة أمامي، لأنه لأعمل على جسم طائر لا بد أن أستخرج تصريحات أمنية، وهناك صعوبات كثيرة أمام منظومة الابتكار في مصر ككل.

حدثنا عن أهم الجهات التي حظي اختراعك باهتمامها، وما أهم التكريمات التي حصلت عليها؟

في البداية حاولت جهدي أن يكون استغلالي الكامل لهذا المشروع لصالح الدولة المصرية، فبدأت بالذهاب لأكاديمية البحث العلمي والجهات المعنية كوزارة التعليم العالي وقتها.

وبدأت بعد ذلك التقديم خارج مصر عندما لم أجد جدوى بمصر، حصلت على تكريم من أربع دول على مستوى العالم وحصل الاختراع على مراكز جيدة، وكذلك رؤية تبني المشروع هناك كانت جيدة جدًا ولكني كنت في البداية وقتها ولم أستطع الخروج بشكل كامل. وربما هذا أصلا جعلني متخوفًا من الاستمرار في الاختراع.

كيف تصف استقبال الدول أو المؤسسات الخارجية مقارنة بالمؤسسات المحلية لمشروعك؟

طبعًا كان اهتمام الناس خارجًا أفضل بكثير من الاهتمام المحلي، وهذه نقطة مهمة نتمنى أن ينظر إليها ألا وهي اصلاح منظومة البحث العلمي في مصر.

إلى أي مدى تحلم أن تصل بمظلتك؟ وهل هناك خطط لتحويلها لمنتج تجاري؟

تم تنفيذ نموذج أولي للمظلة بهدف اختبار الفكرة عمليًا وتقييم كفاءة التبريد، وبالفعل تواصلنا مع جهات لتمويل الموضوع، لكني حينما وصلت لهذه المرحلة شعرت بالملل وأنه لا جدوى من كل ما أفعله، وفقدت الإصرار لأني داومت على الإصرار سنينًا من عمري تقريبًا خمس ست سنوات أحارب في هذا الملف دون جدوى. المستثمر بذاته إن وجد فكرة تعرقلها عوائق أمنية -حظر الأجسام الطائرة- لن يضع فيها ماله، وحتى في الخارج يودون التحكم فيك بنمط معين، وحتى تصل يستخلصون اختراعك لأنفسهم وبلادهم وهذا ما يعارض فكري؛ لأن اصراري كان ولا زال منذ البداية أن يكون تبني المشروع من مولده وحتى خروجه كمنتج لصالح الدولة المصرية.

كيف ترى دور الابتكارات في تحسين جودة الحياة في مصر؟ وما هي أهم المجالات التي تعتقد أنها بحاجة لغزارة العمل فيها على هذا الجانب؟

أي ابتكار عامة لابد أن يكون ذا جدوى اقتصادية أو جدوى نفعية وخدمية عامة، لذلك كل ما هو ما قد يخدم الاقتصاد كأفكار جديدة أو مشروعات جديدة لابد من التركيز عليه، وأيضا لا بد أن ننظر لما قد يُثمر في حقول مختلفة، لذلك حتى يخرج الاختراع للعالم لا بد أن يخرج ينبت أولًا في موطنه ويُشاد به، لو نظرنا للمظلة عامة فقد تستخدم في دول الخليج مع حرارة الجو للحجاج، وقد تستخدم في أوروبا ذات الأجواء الباردة لجعل الجو معتدلًا، وحتى يحدث ذلك فالبيئة المحلية لا بد أن تكون هي الباعث الأول.

ما تقييمك لبيئة البحث العلمي والابتكار في مصر؟

هذه البيئة كما ذكرت ينقصها التمويل، لا بد أن تضخ الدولة ميزانية محددة تتبنى البحث العلمي في مصر، سواء كانت ميزانية محلية أو ميزانية استثمارية.

ما النصائح التي وددت لو نصحت بها في بداية طريقك وكانت ستحدث لك فارقًا، وما توجيهك لأصحاب الأفكار المؤجلة والابتكارات التي محلها الأدراج؟

النصيحة التي أنصحها لنفسي وأنصحها للغير دائمًا: اجعل مشروعك الابتكاري مرتبطًا بالنشاط التجاري، ولا بد أن يظل عندك شغف وإيمان بصنيعك، ليصل مشروعك للجهات المعنية سواء هنا أو خارجًا.

لو كنت أحد صناع القرار في مجال دعم المخترعين والمبتكرين وأصحاب الأبحاث العلمية، ما أول القرارات والتغييرات التي كنت ستضعها لدفع عجلة التنمية وإحداث الفارق في هذا الجانب؟

لو كنت صاحب قرار، فإن أول ما سأقوم به هو التعامل مع ملف البحث العلمي، سأعمل على فلترته وتنظيمه بشكل واضح. وإذا لم تتوفر ميزانيات كافية، فسأسعى إلى جذب مستثمرين لدعم هذا القطاع، بشرط توفير التسهيلات اللازمة التي تساعد على الابتكار في مصر. أعلم أن الأمر ليس سهلاً، لأن معظم الإجراءات أصبحت تتطلب موافقات أمنية، وهذا يعرقل الكثير من المحاولات. لكنني أؤمن أن أي مشروع استثماري ناجح يجب أن يعتمد على الابتكار. لدينا وزارة للبحث العلمي تابعة حاليًا لوزارة التعليم العالي، رغم أنها كانت مستقلة في السابق، ويجب أن يكون لها دور فعّال وواضح. لديهم بالفعل حاضنات أعمال ومشروعات، لكنها للأسف لم تظهر للنور، وهذا يعني أن هناك خللًا ينبغي معالجته.

المظلة والجسم الطائر الذي تحمل عليه

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *