تركيبة نادرة مشتقة من لعاب كائنات حية تفتح باب الأمل لعلاج آمن وسريع لحروق الجلد
تقرير هاجر مصطفى إسماعيل
في إنجاز علمي غير مسبوق داخل الوسط الأكاديمي المصري، نجح فريق شبابي من جامعة المنوفية في تطوير كريم طبي موضعي لعلاج الحروق باستخدام تركيبة طبيعية فريدة مشتقة من لعاب كائنات حية، دون الحاجة لأي تدخل كيميائي أو تجميلي. وقد حصل الابتكار مؤخرًا على براءة اختراع موثّقة من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وتستعد الطالبة المبتكرة «سلمى محمد المعاذ» لتسجيله رسميًا لدى هيئة الدواء المصرية تمهيدًا لطرحه في الأسواق.
دوافع إنسانية.. وحل علمي
تعود أصول هذا الابتكار إلى سلمى المعاذ، الطالبة بكلية العلوم، قسم الكيمياء، جامعة المنوفية، التي انطلقت في رحلتها البحثية مدفوعة بقلق إنساني تجاه معاناة مرضى الحروق، وما يمرون به من تحديات نفسية وجسدية، خاصة أن ما يقرب من 11 مليون شخص حول العالم يصابون سنويًا بالحروق، من بينهم 250 ألف حالة في مصر وحدها.
تقول سلمى في تصريحاتها:
“أردت أن يكون العلاج آمنًا وطبيعيًا وفعالًا دون تكلفة باهظة أو تدخلات مؤلمة. كنت أبحث عن راحة المريض النفسية قبل أي شيء آخر.”
تركيبة جديدة وآمنة
العلاج الجديد يأتي في صورة كريم موضعي يعتمد على لعاب بعض الكائنات الحية – مثل القواقع والحلزونات – المعروفة بقدرتها البيولوجية على تجديد الأنسجة، إلى جانب زيوت نباتية ومستخلصات طبية مضادة للبكتيريا والالتهابات، مما يمنحه فعالية مزدوجة في علاج الجرح وتقليل الأثر الناتج عنه.
ووفق ما أوضحه الفريق، فإن أبرز ما يميز الكريم الجديد هو:
خلوه التام من أي مركبات صناعية أو كيميائية.
فعاليته في علاج الحروق من الدرجة الأولى حتى الثالثة (دون إصابة الأعصاب).
قدرته على تسريع إنتاج الكولاجين الطبيعي وتحفيز التئام الجلد.
تكلفة منخفضة لا تتجاوز 450 جنيهًا فقط، مقارنة بمنتجات تصل إلى 990 جنيهًا ولا تعالج سوى جزء من المشكلة.
تقليل مدة العلاج إلى 7 أيام للدرجة الأولى، و14 يومًا للثانية، و22 يومًا للثالثة.
من بحث علمي إلى منتج تجاري
ولتحويل الفكرة إلى مشروع واقعي، انضمت سلمى إلى برامج تدريبية في ريادة الأعمال، حيث التقت بالمهندس أحمد عبدالعزيز، الذي ساعدها على تحويل المشروع إلى نموذج أعمال متكامل، وبدأ الثنائي في تأسيس شركة ناشئة تعمل حاليًا على إجراء التجارب السريرية اللازمة وتوفير التمويل المطلوب.
وقد حصل المشروع على دعم مادي قدره مليون جنيه من الجهات الداعمة للابتكار، إلى جانب إشراف علمي مباشر من أساتذة متخصصين بكليتي العلوم والصيدلة في جامعة المنوفية.
التقييم العلمي والتجارب المعملية
تم تطوير الكريم داخل معامل كلية العلوم، كما أجريت تجارب ميدانية في مستشفى جامعة المنوفية ومستشفى “أهل مصر”، وهي أول مستشفى متخصصة في علاج الحروق في الشرق الأوسط. وأظهرت التجارب نسبة نجاح 95% في علاج الحروق، و85% في إزالة آثارها، مما يعزز من فرص اعتماده رسميًا كمنتج طبي.
رؤية توسعية.. وطموح كبير
يأمل الفريق في توسيع نطاق المشروع ليشمل إنتاج حزمة متكاملة من الأدوات العلاجية لمرضى الحروق، مثل الشاش الطبي والمراتب العلاجية والملابس المقاومة للالتهابات، بما يساهم في توفير راحة نفسية وجسدية شاملة للمريض، ويدعم التوجهات الوطنية نحو تطوير قطاع الرعاية الصحية، خاصة في ظل رؤية مصر 2030.
رسالتها إلى المجتمع العلمي
في ختام حديثها، توجهت سلمى برسالة للشباب قائلة:
“البحث العلمي ليس حكرًا على الكبار أو أصحاب المعامل الضخمة، بل هو مشروع حياة يبدأ بشغف حقيقي وفكرة مختلفة.”
هذا الابتكار ليس مجرد كريم لعلاج الحروق، بل هو قصة أمل وبحث وإصرار، تؤكد أن دعم الباحثين الشباب وتمويل مشاريعهم يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الكثيريين، وهو ليس فقط مشروعًا طبيًا، بل رؤية شاملة للتكامل بين البحث العلمي وريادة الأعمال في خدمة الإنسان، تقودها طالبة مصرية طموحة وشريك تقني مؤمن بالفكرة. ويمثّل المشروع قصة نجاح تستحق التقدير والدعم، ونموذجًا يُحتذى به لطلبة الجامعات ومراكز البحث العلمي في الوطن العربي.