ابتكارات الشباب التصنيع المتقدم

“من رحم الكيمياء إلى آفاق الهندسة: طالب مصري يبتكر سيارة كهربائية ذاتية الطاقة”

إعداد/ سارة حسان 

في قلب جامعة الزقازيق، وبين أروقة كلية العلوم، يبرز اسم محمد جميل العجوز، طالب في السنة الثانية بقسم الكيمياء، كنموذج للشاب المصري الطموح الذي لا يعرف المستحيل. بعقل متوقد وشغف بالابتكار، لم يكتفِ “العجوز” بدراسة التفاعلات الكيميائية، بل قفز قفزة نوعية إلى عالم الهندسة الميكانيكية ليقدم للعالم مشروعًا ثوريًا يحمل في طياته بذور مستقبل جديد للنقل المستدام: سيارة رياضية كهربائية تعتمد على طاقة ذاتية الإنتاج. فكرة جريئة تبلورت منذ المرحلة الإعدادية، ونضجت عبر محطات علمية مرموقة، لتصل إلى مرحلة متقدمة تبشر بإمكانية تغيير مفاهيمنا التقليدية عن مصادر الطاقة في عالم السيارات. في هذا الحوار، نغوص في تفاصيل هذا المشروع الملهم، ونستكشف الرؤية الطموحة التي يحملها هذا الشاب لمستقبل أكثر استدامة.

ما الذي ألهمك تحديدًا لتجاوز حدود تخصصك والانطلاق نحو هذا المجال؟

في الواقع أؤمن بأن العلم لا يعرف حدودًا، وأن التكامل بين مختلف التخصصات هو مفتاح الابتكار الحقيقي. فكرة استدامة الطاقة وتوفيرها كانت تراودني منذ الصغر، وباعتباري طالبًا في الكيمياء، كنت أبحث دائمًا عن حلول مستدامة وغير تقليدية لتحدياتنا المعاصرة. الهندسة الميكانيكية كانت هي الأداة التي رأيت أنها الأنسب لتطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع , وتواصلت منذ اللحظة الأولى في السنة الأولى مع الأستاذ الدكتور محمود سطوحي، الذي كان مشرفي طوال العام الدراسي الأول، وبدأنا العمل الفعلي على المشروع.

فكرة “سيارة ذاتية إنتاج الطاقة” تبدو طموحة للغاية. هل يمكنك أن تشرح لنا ببساطة كيف يمكن لهذه السيارة أن تحقق ذلك؟ وما هي الآلية المبتكرة التي تعتمد عليها في توليد الطاقة بشكل مستدام؟

الفكرة الأساسية تقوم على دمج عدة تقنيات مبتكرة تسمح للسيارة بتوليد الطاقة أثناء حركتها واستخدامها، بدلاً من الاعتماد على مصدر طاقة خارجي. لا يمكنني الخوض في التفاصيل الدقيقة للآلية في هذه المرحلة لحماية حقوق الملكية الفكرية، ولكن يمكنني القول إنها تعتمد على مبادئ فيزيائية وكيميائية متقدمة لتحويل أنواع معينة من الطاقة الحركية والبيئية إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام بكفاءة عالية.

ذكرت أن أغلب سيارات الجيل الحالي تعتمد على مصادر طاقة خارجية، وأن مشروعك يوفر الطاقة بشكل مستدام وغير ملوث للبيئة. ما هي أبرز الميزات التنافسية التي تجعل هذه السيارة متفوقة على السيارات الكهربائية والهجينة الموجودة حاليًا في السوق؟

الميزة الأساسية هي الاستدامة المطلقة في توليد الطاقة، مما يغني المستخدم عن الحاجة إلى شحن السيارة أو تزويدها بالوقود. هذا يعني استقلالًا تامًا في التشغيل وتوفيرًا كبيرًا في التكاليف على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، كونها لا تعتمد على أي مصدر طاقة احتراقي، فهي صديقة للبيئة بنسبة 100% ولا ينتج عنها أي انبعاثات ضارة. السيارات الكهربائية الحالية لا تزال تعتمد على شبكات الكهرباء التي قد تعتمد بدورها على مصادر غير متجددة، ومشروعنا يتجاوز هذه النقطة.

لفت انتباهي استهدافكم للفئة الرياضية صاحبة النشاط المتجدد. ما هي العلاقة بين طبيعة هذه الفئة وقدرة السيارة على توفير الطاقة؟ هل هناك تفاعل معين بين نشاطهم البدني وعملية توليد الطاقة في السيارة؟

بالفعل، هناك ارتباط وثيق. الفئة الرياضية تتميز بديناميكية الحركة والنشاط المستمر. أحد التصميمات المقترحة يستفيد بشكل مباشر من هذه الطاقة الحركية الناتجة عن الأنشطة الرياضية المختلفة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لتحويلها وتخزينها واستخدامها في تشغيل السيارة. هذا يخلق نوعًا من التكافل بين نمط حياة هذه الفئة واحتياجات السيارة من الطاقة.

ذكرت أن تكلفة المشروع لا تتعدى 100 ألف جنيه بعد دراسة الجدوى. هذا رقم مفاجئ بالنظر إلى التقنية المبتكرة التي تتضمنها السيارة. كيف تمكنتم من تحقيق هذه الكفاءة الاقتصادية؟

لقد ركزنا في تصميم المشروع على استخدام مواد متوفرة نسبيًا وتصنيع بسيط قدر الإمكان، مع الحفاظ على جودة الأداء والكفاءة. دراسة الجدوى المتأنية ساعدتنا في تحديد المكونات الأكثر فعالية من حيث التكلفة والأداء. هدفنا هو تقديم تقنية مستدامة ومتاحة لشريحة واسعة من المجتمع، وليس فقط فئة قليلة.

خلال رحلة تطوير مشروع “Sport Electric Car”، ما هي أبرز المراحل الهامة التي وصل إليها هذا الابتكار؟ وما هي التكريمات أو الجوائز التي حظي بها المشروع حتى الآن والتي تعتبرها علامات فارقة في مسيرته؟

“شهد مشروع ‘Sport Electric Car’ محطات مفصلية ساهمت في تطوره. بدأت الرحلة بفكرة وليدة في الصف الثالث الإعدادي. ثم كانت مسابقة Intel ISEF في مصر نقطة الانطلاق الفعلية وحصد أول تكريم للمشروع. احتضنت جامعة الزقازيق (كلية العلوم) جهود التطوير الأكاديمي، بينما فتحت جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات نافذة على أحدث التقنيات. حظي المشروع بتقدير محلي في جامعة المنصورة، وكان جامعة قناة السويس منصة لعرضه والتواصل العلمي. أما أكاديمية البحث العلمي بالقاهرة فكانت خطوة هامة نحو حماية الملكية الفكرية. كما كان للقاء مع وزير التعليم العالي في جامعة القاهرة ودعوته للمشاركة في مهرجان العلمين الجديدة للسيارات دلالة على الدعم الرسمي وإمكانية الانتشار الأوسع.”

رحلتك مع هذا المشروع بدأت في المرحلة الإعدادية ومرت بمحطات مهمة مثل مسابقة Intel ISEF ومؤتمر جامعة خليفة. كيف أثرت هذه التجارب في تطوير فكرتك ووصولها إلى هذه المرحلة المتقدمة؟

هذه المحطات كانت حاسمة في مسيرة المشروع. مسابقة Intel ISEF منحتني الثقة والتحفيز لتطبيق الفكرة بشكل عملي ومنهجي. أما دعوتي إلى مؤتمر جامعة خليفة، فقد فتحت لي آفاقًا واسعة للاطلاع على أحدث التطورات في مجال المواد النانوية والتقنيات المتقدمة، وهو ما أثرى رؤيتي للمشروع بشكل كبير. المشاركة في المؤتمرات المختلفة أكسبتني خبرة في عرض الأفكار والتواصل مع الخبراء والباحثين.

تسجيل المشروع في أكاديمية البحث العلمي والتقدم للحصول على براءة اختراع خطوة مهمة لحماية حقوقك الفكرية. ما هي آمالك وتطلعاتك بعد الحصول على براءة الاختراع؟ وهل تتوقع أن يرى هذا المشروع النور قريبًا ويخدم مجتمعنا؟

الحصول على براءة الاختراع هو خطوة أساسية لحماية هذا الابتكار المصري. آمل أن يفتح ذلك الباب أمام تبني المشروع من قبل جهات تصنيعية أو استثمارية مهتمة بالاستدامة والابتكار. طموحي الأكبر هو أن يخدم هذا المشروع وطني مصر الحبيبة وأن يستفيد منه المجتمع بشكل حقيقي، وأن يكون له دور في تعزيز مستقبل الطاقة النظيفة والمستدامة في بلدنا.

ذكرت أن المشروع يهدف إلى توفير كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية. كيف يمكن لهذه السيارة، التي تعتمد على إنتاج ذاتي للطاقة، أن تساهم في توفير الطاقة للمجتمع بشكل أوسع؟ هل هناك آلية لتخزين أو نقل الفائض من الطاقة المنتجة؟

أحد التصورات المستقبلية للمشروع يتضمن تطوير نظام لتخزين الطاقة الفائضة التي قد تنتجها السيارة أثناء فترات عدم الاستخدام أو النشاط العالي، ومن ثم إمكانية إعادة تغذية هذه الطاقة إلى شبكات صغيرة أو استخدامها في تطبيقات أخرى. هذه الفكرة لا تزال قيد البحث والتطوير، ولكنها تمثل إمكانية حقيقية لمساهمة السيارة في منظومة الطاقة المستدامة بشكل أشمل.

ما هو تصورك لشكل السيارة , وهل هناك بالفعل نموذج لها ؟

نعم بالفعل يوجد ثلاثة تصميمات مختلفة

وجود ثلاثة تصميمات مختلفة للمشروع يشير إلى مرونة في التطبيق. هل يمكنك أن تعطينا نبذة عن هذه التصميمات؟ وما هي الفئة الرياضية التي يستهدفها كل تصميم بشكل خاص؟ وهل هناك اختلافات جوهرية في آلية عمل كل تصميم؟

بالفعل، وجود ثلاثة تصميمات يتيح لنا تلبية احتياجات متنوعة ضمن الفئة الرياضية. التصميم الأول يركز على الرياضات التي تتضمن حركة مستمرة وقوية، مثل رياضة الدراجات أو العدو لمسافات طويلة، حيث يتم استغلال الطاقة الحركية الناتجة بشكل مباشر. التصميم الثاني يستهدف رياضات تعتمد على توليد طاقة بشكل متقطع ولكن مكثف، مثل رفع الأثقال أو بعض الألعاب الجماعية، حيث يتم تطوير آلية لتجميع وتخزين هذه الدفعات من الطاقة. أما التصميم الثالث، فهو أكثر عمومية ويمكن تكييفه مع مختلف الأنشطة الرياضية الخفيفة والمتوسطة. هناك اختلافات في آليات جمع وتحويل الطاقة بين هذه التصميمات لتناسب طبيعة النشاط المستهدف.

مشاركتك الفعالة في العديد من المؤتمرات وحضورك للمؤتمر الدولي السابع عشر للمواد النانوية في جامعة خليفة يمثل إضافة قيمة لمسيرتك العلمية. كيف أثرت هذه التجارب في صقل مهاراتك البحثية والتواصلية؟ وما هي أبرز الدروس التي تعلمتها من هذه المحافل العلمية؟

هذه المؤتمرات كانت بمثابة منصات قيمة لتبادل الخبرات والمعرفة مع باحثين وعلماء من مختلف أنحاء العالم. لقد تعلمت الكثير عن أحدث الاتجاهات في البحث العلمي، وكيفية عرض الأفكار بشكل فعال، وأهمية بناء شبكة علاقات مع المجتمع العلمي. مؤتمر جامعة خليفة تحديدًا كان له تأثير كبير في توسيع آفاقي وفهمي العميق لأهمية تكنولوجيا النانو في تطوير حلول مبتكرة لمختلف التحديات.

لقاؤك بوزير التعليم العالي والبحث العلمي ودعوته لك للمشاركة في مهرجان العلمين الجديدة للسيارات يمثل تقديرًا ودعمًا كبيرين لمشروعك. ما هي تطلعاتك من هذه المشاركة؟ وهل تتوقع أن تساهم هذه الفعاليات في تسريع تبني مشروعك على نطاق أوسع؟

لقاء معالي الوزير كان محفزًا للغاية وأعطى المشروع دفعة معنوية كبيرة. المشاركة في مهرجان العلمين الجديدة للسيارات تمثل فرصة لعرض المشروع على جمهور أوسع من المهتمين بصناعة السيارات والابتكار التكنولوجي، بالإضافة إلى إمكانية التواصل مع شركات مصنعة ومستثمرين. أتمنى أن تساهم هذه الفعاليات في فتح آفاق جديدة لتبني المشروع وتحويله من مجرد فكرة إلى واقع يخدم مجتمعنا.

في الختام، يمثل مشروع الطالب المصري الواعد محمد جميل العجوز أكثر من مجرد ابتكار في عالم هندسة السيارات؛ إنه تجسيد حقيقي لقوة الإرادة والطموح والإيمان بالعلم كأداة للتغيير. فكرة “السيارة ذاتية الإنتاج للطاقة” ليست مجرد حلم، بل هي مشروع قيد التنفيذ يحمل في طياته إمكانات هائلة لإعادة تعريف مفهوم النقل المستدام وتقديم حلول مبتكرة لتحدياتنا البيئية. رحلة هذا الشاب من مقاعد الدراسة في الزقازيق إلى منصات المؤتمرات الدولية ولقاءات صناع القرار، هي قصة نجاح ملهمة تؤكد أن الإبداع لا يعرف حدودًا للعمر أو التخصص. يبقى الأمل معلقًا على تبني هذا المشروع الطموح وتحويله إلى واقع ملموس يخدم مصر والعالم أجمع، ليثبت “العجوز” ومعه جيل كامل من المبتكرين المصريين، أن المستقبل يصنع بأيدي أبنائه.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *