إعداد: إيمان صبحي السمين
لا تزال الأمراض الطفيلية تمثل تحديًا صحيًا خطيرًا في عدد من المناطق الريفية بمصر، وعلى رأسها مرض البلهارسيا، الذي ظل لعقود يشكل تهديدًا لصحة الإنسان ويؤثر على إنتاجيته ونمط حياته. في هذا السياق، يبرز الدور المحوري للبحث العلمي في تقديم حلول عملية ومستدامة للحد من انتشار هذا المرض، وخاصة عبر استهداف العائل الوسيط: القواقع.
في دراسة علمية حديثة، برز اسم الدكتورة شيرين خليفة أبو شعير – أستاذ علم الحيوان بكلية العلوم، جامعة المنوفية – كأحد الأسماء الرائدة في مجال مكافحة القواقع الناقلة للبلهارسيا باستخدام بدائل طبيعية وآمنة على البيئة. قوقع المياه العذبة يُعد العائل الوسيط الأساسي لطفيليات البلهارسيا، حيث يتم بداخله أحد أطوار نمو الطفيل، قبل انتقاله إلى الإنسان عند ملامسة المياه. ولذا، فإن القضاء على هذا الكائن يُعتبر خطوة فعالة جدًا في كسر دورة حياة المرض، وبالتالي تقليل نسب الإصابة.
الدكتورة شيرين خليفة أبو شعير
على مدار سنوات، كانت وسائل مكافحة القواقع تعتمد بشكل أساسي على مركبات كيميائية قوية، قادرة على القضاء على القوقع، لكنها تسببت في أضرار بيئية فادحة، مثل قتل كائنات نافعة أخرى، وتراكم السموم في المياه، وتأثيرها طويل المدى على التربة والنبات. هذه المشكلات دفعت العلماء للبحث عن حلول أكثر أمنًا وفعالية.
جاءت دراسة الدكتورة شيرين كاستجابة عملية لهذا التحدي، حيث استخدمت مجموعة من المستخلصات النباتية المحلية مثل مستخلصات النيم والثوم والزنجبيل، والتي ثبت في التجارب المعملية أنها تمتلك قدرة عالية على قتل القواقع دون أن تؤثر على بقية الكائنات الحية في البيئة المائية. تم تنفيذ سلسلة من التجارب على عينات مختلفة من القواقع، باستخدام تراكيز متنوعة من هذه المستخلصات، وتمت ملاحظة النتائج خلال فترات زمنية محددة، حيث وصلت نسبة القضاء على القواقع إلى أكثر من 85% خلال 48 ساعة في بعض العينات، مع الحفاظ التام على سلامة الكائنات الأخرى كصغار الأسماك واليرقات المائية.
ما يميز هذا الحل أنه آمن بيئيًا بنسبة عالية، ولا يسبب تراكمًا سامًا في الماء أو التربة، كما أنه متوفر بسهولة ومنخفض التكلفة ويمكن تطبيقه بوسائل بسيطة في المناطق الريفية. في تصريح خاص ضمن نتائج الدراسة، قالت الدكتورة شيرين خليفة أبو شعير: “إن استخدام مركبات طبيعية وآمنة بيئيًا يمثل خطوة حاسمة نحو مواجهة الأمراض الطفيلية بدون الإضرار بالنظام البيئي، خاصة في ظل الحاجة الملحة لحلول مستدامة تحقق التوازن بين الصحة العامة والحفاظ على البيئة.” وأضافت: “أملنا أن نرى تطبيق هذا الحل على أرض الواقع، وأن يتم دعمه من قبل الجهات الصحية والبيئية، لأن نتائجه ليست فقط فعالة صحيًا، بل توفر كذلك في التكلفة والمخاطر المستقبلية.”
توصي الدراسة بضرورة توسيع نطاق التجربة، واختبار المستخلصات على مساحات أوسع من المسطحات المائية، مع العمل على تطوير صيغة جاهزة للاستخدام الميداني. كما تدعو إلى دعم الأبحاث العلمية المحلية التي تنبع من فهم واقعي لاحتياجات المجتمع، دون الاعتماد الكامل على الحلول المستوردة والمكلفة.
تعكس هذه الدراسة مثالًا واضحًا على كيف يمكن للبحث العلمي أن يكون أداة لتغيير الواقع، حين يرتبط باحتياجات المجتمع ويُدار بفكر واعٍ ومسؤول. جهود مثل هذه تستحق الدعم والتقدير، فهي لا تُعالج مشكلة صحية فحسب، بل تحافظ على البيئة وتبني مستقبلًا أكثر أمانًا للأجيال القادمة.